2المرجعية الدولية لقانون الأسرة

Publié le par droit

السابق    2    3    4    التالي
المرجعية الدولية لقانون الأسرة
إعداد: اشرف البداوي – طالب باحث
  بعد الإصلاح التشريعي الذي طال مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993 تم تعديل المادة 30، وإقرار قيدين على التعدد، فاشترط المشرع على الزوج ضرورة إخبار الزوجة الأولى برغبته في الزواج عليها، وأهم مستجد في هذه المادة يتمثل في أن التعدد في كل الأحوال، لا يمكن أن يتم إلا بعد الحصول على إذن القاضي بذلك.(13) والملاحظ أن هذه التعديلات لم تذهب لحد منع التعدد كما كانت تنتظر العديد من الجهات المدافعة عن حقوق الطفل والمرأة، كما لم تمنح المرأة أية إمكانية حقيقية للحيلولة دون حصول التعدد، رغم اشتراط إذن القاضي فإن هذا الأمر يبقى مرتبطا بالتكوين الفكري والثقافي للقاضي وقناعاته(14). ولهذا فإن هذه التعديلات بقيت محدودة ولم تعكس طموحات المرأة المغربية وتصورها الجديد للبناء الأسروي الحديث القائم على إلغاء الحيف والتمييز بين الجنسين(15). وبقي هذا الموضوع بذلك متعارضا تعارضا تاما مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي تكرس مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة، خاصة منها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي طالبت بشجب كل أشكال التمييز ضد المرأة وطالبت الدول الأطراف بإدماج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في تشريعاتها الوطنية، واتخاذ جميع التدابير المناسبة لتغيير القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييز ضد المرأة (المادة الثانية) وأن تضمن المساواة التامة بين الرجل والمرأة في نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج (المادة 16). وعلى أساس هذه المبادئ، تمت من جديد المطالبة بمنع التعدد بصفة نهائية لا أن يقيد بشروط فقط كما جاء في خطة إدماج المرأة في التنمية(16) لكن الأمر ليس بالسهولة المتصورة، فالتعدد نظام إسلامي أصيل – إباحته ثابتة بالكتاب- كما قلنا بغض النظر عن القيود التي يمكن أن ترد عليه، لذلك فإن المشرع في إطار مدونة الأسرة لم يمنع التعدد من حيث المبدأ، لكنه ضيق من دائرتة وأخضع شروطه لإذن المحكمة مع تطبيق عدة إجراءات مسطرية جعلت ممارسته شبه مستحيلة(17). ومن أهم المستجدات ما جاءت به المادة 41 من مدونة الأسرة التي أعطت للمحكمة صلاحية منح الإذن بالتعدد ومراقبة توفر شروطه، خاصة شرط توفر المبرر الموضوعي والاستثنائي. وبهذا تكون المدونة قد خطت خطوة مهمة في سبيل ملائمة التشريع الوطني في موضوع التعدد مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، بالقدر الذي تسمح به الخصوصية الدينية لذا فقد تم إقرار نوع من المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الموضوع، حيث يمنع التعدد إلا في حالات استثنائية جدا والتي تبيح فيها الضرورة ما حظر.
ثانيا: وضعية المرأة بعد إنهاء العلاقة الزوجية .
 " الطلاق هو حل عقدة النكاح بإيقاع من الزوج أو وكيله أو من فوض له ذلك، أو الزوجة إن ملكت هذا الحق أو القاضي" الفصل 44 من مدونة الأحوال الشخصية. هكذا كانت مدونة الأحوال الشخصية تعرف الطلاق، والملاحظ من هذه الصيغة أن الطلاق يقع من جانب واحد، وبإرادة واحدة هي الإرادة المتفردة للزوج، وبذلك تكون المدونة قد خولت للرجل وحده الحق في تقرير مصير مؤسسة الزواج(18)، وغالبا ما يقدم الرجل على حل هذه الرابطة رغما عن إرادة الزوجة ومن ثم إجبارها على قبول واقع شاركت في بنائه وأجبرت بإرادة الزوج المنفردة على إنهائ(19) سواء بمبرر أو بدونه. وفي المقابل فإن سلطة المرأة في إنهاء العلاقة الزوجية ظلت محدودة، إذا ما قورنت بالسلطات الممنوحة للرجل، حيث لا يسمح لها سوى بطلب التطليق أمام القاضي في حالات معدودة على سبيل الحصر، وحتى في ظل هذه الحالات كانت المرأة تعاني بطء مسطرة التطليق التي تتطلب الكثير من الوثائق المثبتة للضرر الذي قد يستحيل على الزوجة الراغبة في الطلاق في الحصول عليها.ولم تكن المرأة تعاني على مستوى الحق في الطلاق فقط، بل حتى على مستوى آثاره، حيث كانت تحرم من الحصول على تعويض منصف عن الطلاق التعسفي الذي يوقعه الزوج، وتحرم من حقها في مستحقات عادلة تحقق لها شروط العيش الكريم، وحرمت في الكثير من الأحيان من حقها في السكنى. وأمام هذا الوضع المتدني الذي كانت تعيشه المرأة والذي يتعارض جملة وتفصيلا مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، ليس فقط التي تكرس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، بل والتي تكرس مبادئ حقوق الإنسان بصفة عامة وحقه في العيش الكريم، لذا كان لزاما على المشرع التدخل لتصحيح الوضع وإعادة الأمور إلى نصابها. لذلك جاءت تعديلات مدونة الأسرة في هذا السياق وتبنت مبادئ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، كإطار للعلاقة بينهما، فأقرت مجموعة من المقتضيات الجديدة في سبيل تحقيق التوازن بين حقوق الرجل والمرأة انسجاما مع مقتضيات هذه الاتفاقيات الدولية، ومع مبادئ العدالة، فالعقد الذي تبرمه إرادتان لا تبطله الإرادة الواحدة(20).
  وهكذا على مستوى الحق في إنهاء الرابطة الزوجية تم إخضاع مسطرة الطلاق والتطليق لشروط وإجراءات قضائية جديدة من شأنها حماية الزوجة من كل تعسف من قبل الزوج في ممارسته، حيث تم إخضاع الطلاق لرقابة من القضاء، وتمت تقليص إرادة الزوج في إنهاء الرابطة الزوجية، وتوسيع مجال هذه الإرادة لفائدة الزوجة بتوسيع حالات وأسباب التطليق، حيث شملت بالإضافة إلى الحالات الواردة في مدونة الأحوال الشخصية.(21) حالة التطليق بسبب الإخلال بأحد الشروط التي تم الاتفاق عليها في العقد، وحالة التطليق للشقاق، وحالة التطليق الاتفاقي(22) أما على مستوى آثار الطلاق، فقد تم إقرار مجموعة من المقتضيات التي تضمن حصول المرأة على مستحقات منصفة، وفي وقتها، بحيث لا يقع الطلاق إلا بعد إيداع المستحقات، وتم الإقرار بحق المسكن كحق مستقل عن النفقة، ومن بين أهم المقتضيات، ما جاءت به المادة 97 والمادة 101 والمتعلقتان بالتعويض عن الضرر، الذي يمكن أن ينجم عن الطلاق مع مراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق.
 وبهذا تكون مدونة الأسرة قد حققت نوعا من الانسجام مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أكدت على أن تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل، وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة. ومع هذا تبقى بعض الملاحظات على مدونة الأسرة في هذا الموضوع، لأن تحقيق المساواة لا يعني تغليب حقوق طرف على الآخر، بقدر ما هو تحقيق التوازن بين الأطراف في هذه الحقوق. وهذا ما لا تلاحظه في تكليف الرجل بأداء المستحقات في جميع الأحوال، فإذا كان هذا التكليف قد يجد له مكانا عند إيقاع الطلاق من طرف الزوج، فإنه غير قابل للتفسير إذا كان طلب التطليق من الزوجة، خاصة عندما تكون متعسفة في طلبه، فالرجل مكلف بالمهر والإنفاق على زوجته، وعند التطليق ولو كانت الزوجة متعسفة فإنها تستحق النفقة والسكن والمتعة. وارتباطا بهذا الموضوع وعلى صعيد الاجتهاد القضائي، فقد حكمت المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة، في حكم لها في قضية تطليق للشقاق، للزوج بمبلغ 3000 درهم تعويضا له عن الضرر الذي لحقه جراء انفصام العلاقة الزوجية، وبتحميل الزوجة الصائر، وهذا دليل على ثبوت تعسف الزوجة في التطليق، لأنه لا محل لتعويض الزوج لولا ثبوت مسؤولية الزوجة عن الضرر الذي أوجب التعويض. لكن في المقابل حكمت للزوجة بمستحقات مضاعفة لهذا المبلغ، فمبلغ المتعة بلغ dh 15000(23).  لذا يصبح التساؤل عن مدى تكريس المدونة لمبدأ المساواة مشروعا.
المطلب الثاني: وضعية الطفل في مدونة الأسرة.
أولا: حقوق الطفل أثناء قيام العلاقة الزوجية.
 1 – رفع سن الزواج: كانت مدونة الأحوال الشخصية تنص في الفصل 8 على أن أهلية الفتى في النكاح تكتمل بتمام الثامنة عشرة، وفي الفتاة في تمام الخامسة عشرة من العمر. وقد كان هذا النص محل انتقاد شديد، وذلك لسببين، السبب الأول لأنه يقيم تمييزا لا أساس له بين الجنسين، والسبب الثاني لأنه يعتبر اعتداءا صارخا على حقوق طفلة تبلغ من العمر 15 سنة. فالدخول في علاقة زواج ليس قرارا هينا، إنما هو قرار قد يتحمل الإنسان نتائجه طيلة حياته، لذا فهو يستعصي حتى على من خاض تجربة طويلة في غمار الحياة، فكيف بطفلة لم تتجاوز 15 سنة؟ فالمكان الطبيعي لطفلة في مثل هذا العمر هو المدرسة، وليس تحمل واجبات ومسؤوليات لا تدرك الفتاة الصغيرة خطورتها وآثارها على الأسرة والمجتمع، فكيف لفتاة في هذا العمر أن تربي أطفالا وهي ما تزال في حاجة إلى الرعاية، لذلك اعتبر الكثيرون – وعن حق- أن السماح بزواج الفتاة في سن 15 هو اغتصاب لطفولتها ولحقوقها كطفلة.(24) كما أنه لا أساس للتمييز بين الجنسين في تحديد سن الزواج، لذلك فإن المطالبة بتغيير هذا الوضع كانت ضرورية، خاصة وأنه يتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وتعهد باحترامها. فالمادة الأولى ضمن اتفاقية حقوق الطفل تنص : " لإغراض هذه الاتفاقية يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك، بموجب القانون المطبق عليه".  كما نصت المادة الثانية : " تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز". واستنادا على هذه النصوص رفعت مدونة الأسرة من سن الزواج حيث نصت في المادة 19: " تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة متمتعان بقواهما العقلية ثمان عشرة سنة شمسية". وبهذا تكون المدونة قد ألغت التمييز الذي كان قائما بين الجنسين في هذا الموضوع، وضمنت لها التمتع بحقوق الطفولة.
 2- حقوق الطفل في إطار المادة 54 من مدونة الأسرة: تجدر الإشارة قبل التطرق لما تضمنته المادة 54 من مدونة الأسرة إلى ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة 51 والتي تنص على المسؤولية المشتركة لكل من الزوجين في تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال وذلك انسجاما مع ما تضمنته المادة 18 من اتفاقيات حقوق الطفل التي تنص على: " تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه...". بعد ذلك تنص المادة 54 على مجموعة من الحقوق التي تؤكد الاتجاه الفعلي للمدونة في الاهتمام برعاية الطفل، وفي تبني الاتفاقيات الدولية مرجعية لهذه الحقوق وسنحاول رصد مختلف هذه الحقوق بنفس الترتيب الذي جاء في هذه المادة.
   1- حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى حين بلوغهم سن الرشد، وذلك توافقا مع ما نصت عليه المادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل بالنسبة للحق في الحياة، توجب على الدول الاعتراف بأن لكل طفل حق في الحياة وتكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.أما بالنسبة للحق في الصحة فقد نصت المادة 24 على أن الدول الأطراف تعترف بحق الطفل في التمتع بأقصى مستوى صحي، وتبذل قصارى جهدها لتضمن ألا يحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية. وفي نفس هذا السياق نصت الفقرة 5 من المادة 54 من مدونة الأسرة على ضرورة اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال بالحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم، وقاية وعلاجا.
 

Publié dans droit (arabe)

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article