ج4-التعليق على القانون 05-25

Publié le par جهاد أكرام

 
  مستجدات التشريع المتعلق بالطعن بالنقض المدني
من خلال التعليق على القانون 05-25
المعدل للفصلين 353 و 355 من قانون المسطرة المدنية
جــهــاد أكــرام
محام متمرن بهيئة الدار البيضاء
22- إشكالان قانونيان: و أما فيما يخص الإشكالين القانونين المطروحين إلى حد الآن، فيتعلق أولهما بمدى انطباق الاستثناء الأول على غير الطلبات الأصلية، في حين يهم الثاني مشكل تطبيق القانون 05-25 من حيث الزمان.
الإشكال الأول - الاستثناء الأول و الطلبات الإضافية و المقابلة:
23- مفهوم الطلب: استثنى الفصل 353 الطلبات التي تقل قيمتها عن عشرين ألف درهم. و المفهوم مبدئيا أن الأمر يتعلق بالطلبات الأصلية. فما الحكم بالنسبة لغيرها من الطلبات كالإضافية و المقابلة؟ قد ينتقد البعض المشرع لعدم تنصيصه على حكم باقي الطلبات. ذلك أن الرأي القانوني قد ينقسم بين قائل بكون أحد الطلبات يجر البقية متى كان قابلا للنقض، و بين قائل باستقلال الطلبات عن بعضها البعض. لذلك كان حريا بالمشرع، حسب الرأي المنتقد دائما، أن يحدد موقفه من كل نوع من الطلبات مثلما فعل مثلا بالنسبة للمادة السادسة من القانون 95-53 المحدث للمحاكم التجارية، أو في الفصل 11 و ما يليه من قانون المسطرة المدنية.
24- استقلالية الطلبات عن بعضها البعض: و لكن الواقع أن لا مجال للانتقاد. ذلك أن النص واضح و لا يحتاج إلى أدنى تفسير أو تفصيل. فالمشرع نص على الطلب، لا على الدعوى. و معنى ذلك وجوب معالجة كل طلب بصفة منفردة لتحديد ما إذا كان الشق المخصص له في المقرر قابلا للطعن بالنقض أم لا. و رغم هذه البساطة، فالأمر يحتاج إلى تمييز في الحكم بين الطلب الإضافي الذي يقدمه المدعي صاحب الطلب الأصلي، و الطلب المقابل الذي يتقدم به المدعى عليه. ذلك أن الطلب الإضافي يندمج في الطلب الأصلي و ينصهر فيه ليكونا طلبا واحدا، لذا يتعين جمع قيمة كافة الطلبات التي يتقدم بها المدعي لتحديد مدى قابلية المقرر للطعن بالنقض أم لا. و سند هذا الحكم، نص الفصل 11 ق.م.م الذي ينص على أن قيمة الاختصاص الانتهائي تحدد استنادا إلى مبلغ الطلب المجرد الناتج عن آخر مستنتجات المدعي. و إذا قيل بأن هذا الفصل خاص بالاختصاص الانتهائي للمحاكم لا بقيمة الطلب، رددنا بأنه من الممكن إعمال حكم هذا الفصل بالقياس لتحديد قيمة الطلب القابل للنقض. أما فيما يخص الطلبات المقابلة، فهي مستقلة عن الطلب الأصلي، لذلك ينظر إلى قيمة كل واحد من الطلبين لتحديد مدى قابلية الشق المتعلق به من المقرر للطعن بالنقض، دون أن يجر أي من الطلبين الآخر متى كان وحده دون الثاني قابلا للطعن بالنقض. فمثلا، لو تقدم المدعي بطلب أصلي بقيمة 15.000 درهم، و تبين له أثناء سريان المسطرة ضرورة رفع مبلغ طلبه بقيمة 7.000 درهم، و تقدم المدعى عليه بطلب مقاصة أو بطلب مقابل بقيمة 17.000 درهم، فصدر الحكم الابتدائي و بعده القرار الاستئنافي، كيفما كان منطوقه، لكان بإمكان الطرف المتضرر من شق القرار الاستئنافي المتعلق بطلب المدعي، و هو الناتج عن الطلب الأصلي و الإضافي، أن يطعن فيه بالنقض لأن قيمته 22.000 درهم؛ في حين تعذر على الطرف المتضرر من الشق المتعلق بالطلب المقابل أن يمارس الطعن بالنقض لأن قيمة هذا الطلب لم تبلغ عتبة العشرين ألف درهم المنصوص عليها في الفصل 353. 
الإشكال الثاني - نطاق تطبيق القانون 05-25 من حيث الزمان:
25- طرح الإشكال: سيثير الفصل 353 و بلا شك إشكالا يتعلق بنطاق تطبيقه من حيث الزمان. ذلك أن نصي الفصل 353 قبل التعديل و بعده سيتجاذبان التطبيق على طلبات النقض ضد المقررات الصادرة في الطلبات المستثناة بموجب الفقرة الثانية من الفصل المذكور بعد التعديل، إذ سيكون المجلس الأعلى في حالات عدة، أمام نصين قانونين متعارضين بمناسبة البت في قبول طلبات النقض. و يتعلق الأمر من جهة أولى بالفصل 353 قبل التعديل الذي يجيز مثلا الطعن بالنقض في المقررات الصادرة في طلبات مراجعة السومة الكرائية، و من جهة ثانية بالفصل 353 بعد التعديل و الذي يمنع الطعن بالنقض في المقررات المذكورة. و هذه الوضعية التي خلقها القانون 05-25 مثال حي لمشكل تنازع القوانين من حيث الزمان، بحيث يكون على القضاء أن يغلب أحد النصين على الآخر للبت في قبول طلب الطعن بالنقض.
26- دقة الموقف و أهميته: و تترتب نتائج خطيرة على اختيار نص دون الآخر. فالقول بأن القانون الواجب التطبيق هو الفصل 353 في صيغته الأصلية، معناه قبول طلبات النقض و فحص وسائله للاستجابة للطلب متى كانت إحداها مؤسسة، أو رفضه إذا تبين أن لا أساس لها في القانون. أما تطبيق الفصل 353 بعد التعديل فيترتب عنه بكل بساطة عدم قبول طلب النقض شكلا، و إبرام القرار دون حاجة لبحث وسائل النقض و لو كانت مبنية على أساس قانوني و كان المقرر خارقا للقانون. لذلك يكون من المهم تحديد الحالات التي يتعين فيها على المجلس الأعلى تطبيق الفصل 353 بعد التعديل و التي ستؤدي لا محالة إلى عدم قبول طلبات النقض بالنسبة لمستثنيات الفقرة الثانية من الفصل المذكور.
27- عدم رجعية القانون – الأثر الفوري للقانون: قبل بحث هذه النقطة، يجب التذكير أن حل مشكل تنازع القوانين في الزمان يحكمه مبدآن أساسيان: أولهما مبدأ عدم رجعية القانون و الذي مفاده أن القانون الجديد لا يطبق على الوقائع و التصرفات السابقة لتاريخ دخوله حيز التنفيذ، و مبدأ الأثر الفوري أو المباشر للقانون و القاضي بأن القانون الجديد يحكم، فضلا عن الوقائع و التصرفات الناشئة منذ دخوله حيز التنفيذ، بعضا من تلك التي نشأت قبل ذلك التاريخ و التي لم تكتمل أو لم تنتج بعد كافة آثارها، إلا بعد دخوله حيز التنفيذ. و ليس هذا مجال تفصيل الحديث في النظريات و المبادئ المتعلقة بتنازع القوانين من حيث الزمان، و لكن تجدر الإشارة إلى أن إمعان النظر في مبدأي الفورية و عدم الرجعية يبين أنهما وجهان لعملة واحدة، يكمل أحدهما الآخر و لا يتعارضان كما يظهر من خلال الكتابات الفقهية في الموضوع. ذلك أن مبدأ عدم الرجعية يؤدي إلى عدم تطبيق القانون الجديد على المراكز القانونية التي نشأت و اكتملت و رتبت آثارها في ظل القانون القديم، و نفس النتيجة يصل إليها إعمال مبدأ الفورية، مادام يقوم على تطبيق القانون الجديد على المراكز القانونية التي لم تكتمل أو لم تنتج آثارها في ظل القانون القديم، رغم أنها نشأت في ظل هذا الأخير. فالقانون الذي لا يطبق بأثر رجعي، يطبق بأثر فوري.
28- القوانين المسطرية و سريان القانون من حيث الزمان: و ليست هذه الملاحظة حشوا، بل إن لها أثرا في تحديد القانون الواجب التطبيق على قوانين المسطرة. فالمتعارف عليه أن قوانين الشكل من بين الاستثناءات التي ترد على مبدأ الرجعية، و أنها من بين تطبيقات الأثر المباشر أو الفوري للقانون. فتكون، حسب الرأي الفقهي المذكور أعلاه، استثناء من الأول لأن القانون الإجرائي الجديد يطبق على الدعاوى و الإجراءات الناشئة قبل دخوله حيز التنفيذ، و هو بهذه الصفة أيضا من تطبيقات مبدأ الأثر المباشر، مادام أثر القانون الجديد يسري بصفة فورية على كل الإجراءات السارية وقت دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، و لو كانت قد نشأت قبلا. و تحتاج هذه الفكرة إلى تشخيصها و توضيحها بمثال واقعي حتى ينجلي عنها الغموض. فلنأخذ مثلا حالة الطعون بالنقض في طلبات مراجعة السومة الكرائية.
29- تطبيق مبدأ عدم الرجعية و استثناؤه: فإذا قلنا إن القانون لا يطبق بأثر رجعي، لكانت النتيجة قبول كافة الطعون بالنقض في المقررات الصادرة في الطلبات المقدمة أمام المحكمة الابتدائية قبل دخول القانون 05-25 حيز التنفيذ؛ و العبرة مبدئيا بتاريخ تقديم الطلب أمام المحكمة الابتدائية و ليس بتاريخ تقديم طلب النقض، لأنه يبدو أنه في ذلك التاريخ، أي في تاريخ وضع الطلب أمام المحكمة الابتدائية، يكون المركز القانوني للطلب المعتمد لقبول النقض أو رفضه قد اكتمل، مما يمنع أن يطبق عليه في هذه الحالة القانون الجديد بأثر رجعي. و إذا قلنا بأن القانون يطبق بأثر رجعي، أي إذا اعتبرنا قواعد الشكل استثناء من مبدأ عدم الرجعية، لكانت النتيجة مبدئيا، عدم قبول كافة الطعون بالنقض في المقررات الصادرة في الطلبات المقدمة أمام المحكمة الابتدائية قبل نفاذ القانون المذكور، و التي لم يصدر فيها بعد قرار المجلس الأعلى، رغم أن المركز القانوني قد اكتمل قبل ذلك التاريخ. و العلة في هذه الحالة الثانية أن هذا المركز القانوني لم يرتب كافة آثاره في ظل القانون القديم، و إنما امتدت هذه الآثار إلى فترة نفاذ القانون الجديد، مما يبرر خضوعها، أي الآثار، لهذا الأخير، أي للقانون الجديد، على اعتبار كون قوانين الشكل من مستثنيات مبدأ عدم الرجعية. 
30- تطبيق مبدأ الفورية: و إذا نحن قلنا إن القانون الجديد يطبق بأثر فوري على الطلبات المذكورة، لكانت النتيجة مبدئيا تطبيق القانون الجديد على طلبات النقض الموجهة ضد المقررات الصادرة في الطلبات المرفوعة إلى المحاكم الابتدائية و لو قبل نفاذ القانون المذكور، و التي لم يصدر فيها قرار المجلس الأعلى بعد، لأن المركز القانوني المتمثل في تقديم الطلب أمام المحكمة الابتدائية، و الذي على أساسه تتحدد مدى قابلية المقرر للطعن بالنقض، لم ينتج كافة آثاره في ظل القانون القديم الذي نشأ و اكتمل فيه. و هي ذات النتيجة التي يوصل إليها اعتبار قوانين الشكل من بين استثناءات مبدأ عدم الرجعية.
31- نتائج تطبيق مبدأ دون الآخر: و يظهر من خلال هذا المثال خطورة تبني المجلس الأعلى لأحد المبدأين، على قبول طلبات النقض في المستثنيات الثلاتة المنصوص عليها في الفصل 353 بعد التعديل. فإذا أخضعت قوانين الشكل للمبدأ الدستوري القاضي بعدم الرجعية، على أساس أنه لا يجوز تطبيق القانون على الأفراد إلا متى كانوا على دراية و علم به، و عمليا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، احتراما لمبدأ التوقع القانوني الذي يمنع تطبيق القانون على ما سبق نفاذه من وقائع و تصرفات، لقبلت كافة الطعون بالنقض الموجهة ضد المقررات القضائية الصادرة في الطلبات المرفوعة للمحاكم الابتدائية قبل تاريخ نفاذ القانون 05-25. و الدافع إلى اعتبار نقطة البداية هي تاريخ رفع المقال الافتتاحي أمام المحكمة الابتدائية و ليس وضع طلب النقض، أن القانون 05-25 قد جعل نوع الطلب الافتتاحي للدعوى، الأساس المعتمد لعدم قبول طلب النقض؛ و عليه فالمنطق يقتضي ألا يطبق حكم القانون المذكور على الطلبات المضمنة في المقالات الافتتاحية المقدمة قبل علم الأفراد به، أي قبل تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، لأن جواز الطعن بالنقض من عدمه، يتقرر في تاريخ تقديم الطلب أمام المحكمة الابتدائية. أما اعتبار القوانين الإجرائية من مستثنيات مبدأ عدم الرجعية، و بالتالي من القوانين الواجبة التطبيق بأثر فوري، على اعتبار أن قوانين الشكل تستهدف حسن سير العدالة و لأن المشرع عندما يغير قانونا شكليا نافذا، فلأنه كشف فيه عيوبا و نواقص(11)، فيؤدي مبدئيا إلى عدم قبول طعون النقض في المقررات الصادرة في الطلبات المرفوعة أمام المحاكم الابتدائية و لو قبل نشر القانون 05-25، و التي لم يصدر فيها بعد قرار المجلس الأعلى.
32- موقف القضاء: و الحقيقة أن القضاء المغربي يعتبر قوانين الشكل من بين القوانين الواجبة التطبيق بأثر فوري، حسب ما جاء في قرارين للمجلس الأعلى(12)، أكدهما بعد ذلك بقرار حديث اجتمعت لإصداره غرفتان جاء فيه أن "قوانين الشكل، كالمسطرة، يجري العمل بها فور دخولها حيز التنفيذ"(13). و بالتالي، فالمصير المبدئي لكافة الطعون بالنقض ضد المقررات الصادرة في الطلبات المستثناة بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 353 و التي لم يصدر فيها قرار المجلس الأعلى بعد، هو عدم القبول، بعلة السريان الفوري لقوانين الشكل.

Publié dans droit (arabe)

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article