ج2-الخطا الطبي

Publié le par fanas

الجزء الثاني
المساءلة الطبية بين تعبير (الخطأ الطبي) و ( الضرر الطبي)
للاستاذ DIA'A ABU FANAS
Madrid / Spain   fanas_98@yahoo.com
 
و في عودة أخرى لتعبير الضرر الطبي و الخطأ الطبي فإن استخدام تعبير الخطأ الطبي إن كان مجال ذكره في نطاق المسؤولية الجزائية و فق أحكام قانون العقوبات الأردني و الذي تمتد جذوره التاريخية للتشريعات الجزائية اللبنانية و السورية ودون خوض في التشريعين الأخيرين فإننا نجد أن استخدام هذا التعبير يعد موافقاً و ملائماً لإثبات المسؤولية الجزائية التي قد تطال الطبيب أو المعالج بشكل عام ذلك أن نص المادة (343) من قانون العقوبات الأردني تنص على الآتي : ( من سبب موت أحد عن اهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين و الأنظمة عوقب .....) ثم جاء في المادة (344) و في الفقرة رقم (1) مايلي: ( إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المادتان (33) و (335) كان العقاب .....) و في الفقرة رقم (2) جاء النص : ( يعاقب كل إيذاء آخر غير مقصود بـــ .....) . و من خلال استقراء المواد المتقدمة نجد أن المشرع قد استخدم في أكثر من موقع ما يوحي إلى تطبيق نظرية الخطأ، فتارةً يكون الحديث عن الإهمال و قلة الاحتراز وهي من ضروب الخطأ و تارةً أخرى يصرح بتعبير خطأ المجرم و هذا كله يدعم الاتجاه الذي يأخذ باستخدام تعبير الخطأ الطبي إن كان الاستهداف ينصب في خانة ايقاع العقوبة على المؤذي (الذي ألحق الأذى بالطرف الآخر) حماية لحق المجتمع و هو أمر لنا تحفظ عليه إن كان نطاق البحث متعلق بالطبيب ، فنحن لا نجد الطبيب في مركز قانوني مساو لمن احترف الاجرام و جعله سلوكاً يومياً كما هم الجانحون الذين لا يخلو منهم أي مجتمع مما يقتضي تشريع قانون خاص يعنى بالأضرار التي تنجم عن العمل الطبي وذلك لغايات تحقيق مسألة الردع في النطاق الطبي ولأخذ الحيطة والحذر أثناء علاج المرضى بإسلوب يستهدف حماية المريض قبل عقاب الطبيب ذلك لأنه وإن ألحق أحد الأطباء الضرر بأحد المرضى أو نتج عن العلاج الطبي ضرر سلبي فإنه لا يستوي أن يطبق على الطبيب ذات القواعد القانونية المطبقة على متقدمي الذكر. وهنا فإننا نرغب في تثبيت عدد من الملاحظات حول ما تقدم من نصوص قانونية كالآتي:
 1. أن الطبيب أو (المعالج سواء كان من فريق التمريض أو فريق الاسعاف ...الخ) و إن ألحق إيذاء بالمريض من جراء إهماله أو قلة احترازه أو عدم مراعاته القوانين فالنص هنا قد ساوى بينه وبين السائق الطائش فالإثنين سيعاقبان بموجبه وهو أمر لا يستوي لإن الطبيب يحاول كركن مفترض مساعدة و معالجة و إنقاذ المريض فإن تضافرت تلك العوامل التي سببت الإيذاء فلا يسود الاعتقاد بأن الطبيب قد أصبح مجرماًً .
 2. لأن المواد المتقدمة قد استخدمت تعبير الاهمال و قلة الاحتراز و عدم مراعاة القوانين و كلها تعد ضروباً من الخطأ فلذا يصح أن نستخدم تعبير الخطأ الطبي إن كان موضوع حديثنا عن الإيذاء أي إن كان بحثنا في الناحية الجزائية ، و في حال تطبيـــق نص الــمادة (344/1) على العمل الطبي فإننا سنـــعامل الطبــيب على أســـاس أنه مجرم لأن النص قد جاء (إذا لم ينجم عن خطأ المجرم إلا إيذاء كالذي نصت عليه المادتان 333 و 335 كان العقاب ....) و إن هاتين المادتين المذكورتين في متن المادة (334) قد تناولتا صوراً مختلفة من الإيذاء مثل المرض أو التعطيل عن العمل مدة تزيد عن عشرين يوماً ، قطع أو إستئصال عضو أو بتر أحد الأطراف أو الإفضاء إلى تعطيلها أو تعطيل أحد الحواس عن العمل أو التسبب في تشويه جسيم أو إحداث عاهة دائمة أو لها ذلك المظهر وهي كلها نتائج محتملة الظهور كصورة من صور الإيذاء الطبي. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير بأن المشرع الأردني قد أورد نصاً خاصاً يتناول العمل الجراحي فقد عالجه المشرع في حالتنا هذه وفق نص المادة (62) من ذات القانون و التي جاء فيها على أنه لا يعد الفعل الذي يجيزه القانون جريمة و منه العمليات الجراحية و العلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجري برضى العليل أو رضى ممثليه الشرعيين أو في حالات الضرورة الماسة،
و السؤال في هذا المقام مع أن العملية الجراحية فعــل غير مـــجرم حسب المادة (62) علماً بأنها اعتداء على حق الإنسان في الحفاظ على مادة جسمه من أي ضرر و مع أن مجرد إجراء العملية الجراحية هو اعتداء على سلامة هذه المادة من خلال إحداث الجرح لكن قصد المشرع واضح لأن العملية الجراحية التي ستنطبق على الفن المتبع يقصد منها غاية و هي المعالجة و ليس الإيذاء المباشر ، و لكن ماذا لو أهمل الطبيب في عمله؟ و ماذا لو لم يحترز الطبيب أثناء إجراء هذا الجرح ؟ هل يعد في مثل هذه الحالة و لأنه قاصد إجراء هذا الجرح بأن فعله مقصوداً إن تجاوز حدود الفن و الأصول، أم أنه سيعتبر فعل غير مقصود و بالتالي هل الإيذاء الذي سينجم عن العمل الجراحي هو ايذاء مقصود أم غير مقصود ؟
 و عليه هل لنا أن نطبق نص المادة (344/1) على فعل الطبيب في هذه الحالة أم لا؟ و لتبسيط الفكرة السابــقة و التساؤل المتقدم الذكر ، فلنأخذ المثال الآتي : شخص يقود سيارته في الطريق فدهس أحد المارة ، الذي لا تربطه به أي علاقة ، فهنا حادث الدهس هذا يعتبر ايذاء غير مقصود ، أما شخص قام برفع سكين بمواجهة شخص آخر و قام بجرحه في يده على سبيل الفرض ففعل الجرح هذا هو إيذاء مقصود ، لأنه قد رفع هذا السكين و وجهه إلى منطقة الإصابة فإن هذا الفعل هو فعل مقصود ، و كذلك هو أمر مشرط الطبيب الذي يشق به الأغشية و الأنسجة لكي يصل إلى المنطقة المراد علاجها ، فهو فعل مقصود ، و لكن أباحه القانون و أجازه، إلا أن التساؤل المتقدم ينهض مرة أخرى فيما لو أهمل هذا الطبيب عمله و لم يبد احترازاً معقولاً خلاله ، أي أن فعله هل سيعد مقصوداً أم غير مقصود؟ و في نطاق الإجابة على هذا التساؤل يمكن لنا أن نحدد فيما إذا كان نص المادة (344) بفقرتها الأولى سينطبق على العمل الطبي أم لا. إلا أن خلاصة القول تلزمنا ببيان أن تعبير (الخطأ الطبي) هو الإجابة على التساؤل المتقدم لأن الإيذاء الناجم عن العمل الطبي هو من قبيل الإيذاء غير المقصود كما نعتقد وكما يؤيده السبب في استخدام تعبير (الخطأ الطبي) دائماً عند معالجة المسؤلية الجزائية الناجمة عن العمل الطبي لأن الخطأ أمر غير مقصود

Publié dans droit (arabe)

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article