ج2-التعليق على القانون 05-25

Publié le par جهاد أكرام

 
مستجدات التشريع المتعلق بالطعن بالنقض المدني
من خلال التعليق على القانون 05-25
المعدل للفصلين 353 و 355 من قانون المسطرة المدنية
جــهــاد أكــرام
محام متمرن بهيئة الدار البيضاء
П- بالنسبة للفصل 355 ق م م :
يثير هذا الفصل ملاحظتين من الناحية الشكلية:
9- قواعد العطف في اللغة العربية: تتعلق اولاهما بالخطا التركيبي الوارد في نهاية الفقرة الاخيرة من الفصل، حيث جاء فيها" ...وعند انصرام الاجل المذكور و الانذار بدون مفعول..." والصحيح انه كان على المشرع ان يستعمل فعلين او مصدرين، لا فعلا ومصدرا فيقول: وعند انصرام الاجل المذكور وبقاء الانذار بدون مفعول" او " اذا انصرم الاجل المذكور وبقي الانذار بدون مفعول".
10- تكرار الاحكام التشريعية السابقة: وتهم الثانية مقتضيات الفقرات الخامسة و السادسة والسابعة من الفصل 355 والتي تبتدئ ب: " يجب تحت طائلة عدم القبول: "، و تنتهي في آخر "... إذا كان قد قدم". و تعالج هذه الفقرات حالة الطعن أمام المجلس الأعلى في القرارات الإدارية للشطط في استعمال السلطة، حيث يجب إرفاق مقال الطعن بنسخة من المقرر المطعون فيه و بما يفيد رفض التظلم الإداري في حالة تقديمه. و قد كانت هذه المقتضيات مضمنة في الفصل 355 في صيغته الأصلية. و وجودها فيه منطقي لأن المجلس الأعلى كان المحكمة المختصة للبت في الطعون المرفوعة ضد المقررات الإدارية للشطط في استعمال السلطة. و قد نقلت هذه المقتضيات إلى المادة 21 من قانون إحداث المحاكم الإدارية التي ألغت ضمنيا المقتضيات المذكورة المضمنة في الفصل 355 قبل التعديل رغم بقائها ضمن أحكام قانون المسطرة المدنية(5). غير أن المشرع أعاد الحياة لهذه المقتضيات في 2005 عندما أعاد صياغة الفصل 355. و يا ليت إعادة صياغة هذا الفصل اتخذت نفس طريقة إعادة صياغة الفصل 353 بإعادة نقله حرفيا، لنقول إن المشرع قد وقع في سهو عندما أعاد نفس المقتضيات في الفصل 355 الجديد. و لكن إعادة الصياغة الهيكلية للفصل 355 بعد التعديل، تفيد بما لا يدع مجالا للشك أن المشرع المغربي أراد فعلا أن يشير الفصل المذكور إلى الأحكام القانونية المنظمة للوثائق اللازم إرفاقها بمقال الطعن في المقررات الإدارية للشطط في استعمال السلطة. و هنا مكمن العيب في الفصل 355 بعد التعديل، ذلك أنه قنن مسألة في غير موضعها من جهة، و سابقة التقنين في نص آخر من جهة ثانية؛ إذ أن هذه المقتضيات مضمنة في المادة 21 من قانون إحداث المحاكم الإدارية، و هذا هو موضعها الصحيح، لأن الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عندما تبت في القضايا الإدارية، إنما تطبق الأحكام القانونية الخاصة بالقضاء الإداري و ليس المقتضيات المتعلقة بمحكمة النقض. فيكون المشرع في الفقرات الخامسة و السادسة و السابعة من الفصل 355 قد كرر حكما سابقا في التشريع المغربي، وهذا عين العبث مرة اخرى.
ثانيا- الملاحظات الموضوعية:
يثير القانون 05-25 ملاحظتين على المستوى الموضوعي:
І- مرفقات مقال الطعن بالنقض:
يمكن القول ان المكسب الوحيد الذي حققه القانون 25-05 هو حل مشكل عدم ارفاق مقال النقض بنسخة من المقرر المطعون فيه او عدد من نسخ المقال مساو لعدد الاطراف.
11- جزاء عدم ارفاق المقال بنسخة المقرر المطعون فيه: فقد كان المشكل المطروح في ظل الفصل 355 قبل التعديل هو قساوة جزاء عدم قبول الطلب المقرر عن عدم إرفاق مقال النقض بنسخة المقرر المطعون فيه. و المقصود هنا، النسخة المطابقة للأصل و ليس صورة المقرر. و لا تخفى على أغلب الممارسين تلك الوسائل الحقيرة التي كانت تعمد إليها بعض الجهات للوصول إلى الحكم بعدم قبول طلب النقض بسبب عدم إرفاق مقال النقض بنسخة طبق الأصل من المقرر المطعون فيه، في حين أن الطاعن قد فعل. و لكن الذي وقع أن النسخة قد سحبت من الملف فيما بين لحظتي إيداع المقال و وصوله إلى الهيئة الحاكمة، مما أدى في غير ما مرة إلى حرمان المتقاضين من حقوقهم بل و ربما إلى تقرير المسؤولية المهنية للمحامي. فكان أن تبنى المشرع حلا مرنا يقضي بطلب نسخة المقرر القضائي من المحكمة التي أصدرته عوض الحكم بعدم قبول الطلب، مما يضمن حقوق المتقاضين و يحميها بشكل أكثر فعالية.
12- جزاء عدم إرفاق المقال بنسخ مساوية لعدد الأطراف: كما و أن الفصل 355 قبل التعديل لم يكن صريحا في تحديد الجزاء المترتب عن عدم إرفاق مقال النقض بعدد من النسخ مساو لعدد الأطراف، بحيث لم تكن الفقرة الأخيرة مشمولة بجزاء عدم قبول الطلب المقرر بالنسبة لباقي الفقرات. فطرح أمام المجلس الأعلى إشكال في الحالة التي لا يرفق فيها مقال النقض بعدد من النسخ مساو لعدد الأطراف. فظهر اتجاه يقول بضرورة إنذار الطاعن بالإدلاء بالنسخ الكافية، و لكن ما العمل في الحالة التي لا يستجيب فيها الطاعن للإنذار المذكور، خصوصا و أن القانون غير صريح في تقرير جزاء عدم القبول؟ لذلك جاء تعديل الفصل 355 لوضع مسطرة خاصة واجبة الاتباع في هذه الحالة، حيث يكون على كتابة الضبط إنذار الطاعن و منحه أجل عشرة أيام للإدلاء بالعدد الكافي من النسخ، و إلا أدرجت القضية في الجلسة و قضي بعدم قبول الطلب. و الحقيقة أن المشرع لم يقنن في هذه الحالة سوى قاعدة قانونية من صنع القضاء، إذ قضى المجلس الأعلى بعدم قبول طلب النقض شكلا بعد إنذار الطاعن من أجل الإدلاء بالنسخ الكافية و بقاء الإنذار بدون جدوى(6).
13- كتابة الضبط المختصة بإنذار الطاعن للإدلاء بالنسخ الكافية: و لكن هذه الفقرة ليست كاملة و لا خالية من كل عيب. ذلك أنها لم تحدد كتابة الضبط التي يجب أن تنذر الطالب بتتميم الملف. أيتعلق الأمر بكتابة ضبط المجلس الأعلى، أم بكتابة ضبط المحكمة مصدرة المقرر المطعون فيه؟ و قد يرد على هذا السؤال بالقول إنه مفتعل و عديم الجدوى لأن الجواب ظاهر غير قابل للنقاش؛ إذ المنطق يقتضي أن الكتابة المعنية هي كتابة ضبط المجلس الأعلى، مادامت هي المكلفة بتتبع الملفات و تنظيمها خلال مرحلة النقض، و مادام الفصل ينص على إدراج القضية في الجلسة للحكم بعدم القبول عند بقاء الإنذار بدون جدوى بعد فوات الأجل. و لكن المنطق و العقل يقتضيان من جانب آخر أن تسند هذه المهمة إلى كتابة ضبط المحكمة المصدرة للمقرر المطعون فيه، لأن مقال النقض لا يودع في كتابة ضبط المجلس الأعلى، و لكن في كتابة ضبط المحكمة المصدرة للمقرر المذكور. و تاريخ الإيداع في هذه المحكمة، هو التاريخ المعتبر للوقوف على مدى تقديم الطعن داخل الأجل، دون الاكتراث إلى تاريخ وصول المقال إلى المجلس الأعلى. و عليه، تكون كتابة ضبط المحكمة المصدرة للمقرر المطعون فيه أول جهة قضائية تتصل بمقال النقض. فيكون من المنطقي أن تخول صلاحية مطالبة الطاعن بتتميم ملفه قبل إحالته على المجلس الأعلى، خاصة إذا علمنا أن المحاكم المصدرة للمقرر المطعون فيه أقرب من حيث المسافة للطاعن من المجلس الأعلى، و أن إحالة الملفات على المجلس الأعلى من مختلف محاكم المملكة، يكبد خزينة الدولة نفقات باهظة. فلماذا نحمل خزينة الدولة هذه المصاريف و نثقل كاهل قضاة النقض بملفات ستحكم بعدم قبول الطلب لأن الطاعن تعذر عليه تتميم ملف النقض داخل الأجل الممنوح له؟ ألم يكن من الأجدر جعل الجزاء مبدئيا هو عرقلة مسار الطعن بالنقض دون الحكم بعدم قبوله، عبر عدم إرسال الملف إلى المجلس الأعلى إلا بعد إدلاء الطاعن بباقي النسخ لدى كتابة ضبط المحكمة المصدرة للمقرر المطعون فيه، خاصة و أن صاحب المصلحة في البت في طلب النقض هو الطاعن، و أن النقض كطريق من طرق الطعن لا يوقف التنفيذ إلا في حالات استثنائية. و لا يكون هذا الحل مقبولا طبعا في الحالات التي يوقف فيها الطعن بالنقض التنفيذ، لأن الطعن قد يستغل في هذه الحالة بسوء نية لعرقلة التنفيذ. و لذلك قيل مبدئيا أعلاه، بحيث لا يعمل بالحل المقترح في الحالات التي يوقف فيها طلب النقض التنفيذ.
П- المستثنيات من حق الطعن بالنقض:
لا يمكن بحث الحلول الممكنة للاشكالات التي تطرحها الفقرة الثانية من الفصل 353 ق م م قبل الوقوف على مدى وجاهة التوجه التشريعي في تعديل هذا الفصل.
أ- نقد التوجه التشريعي:
14-تقليص دائرة المقررات القضائية القابلة للطعن بالنقض: يتمثل التغيير الجذري الذي أدخله القانون 05-25 على الفصل 353، بل و على النظام القانوني لطرق الطعن المدنية، في إقرار استثناءات على ممارسة حق الطعن بالنقض عندما حذف القانون المذكور هذه الإمكانية بالنسبة لثلاثة أنواع من الطلبات ويتعلق الامر بكل من:
     - الطلبات التي تقل قيمتها عن عشرين الف درهم.
     - الطلبات المتعلقة باستيفاء واجبات الكراء و التحملات الناتجة عنها.
     - الطلبات المتعلقة بمراجعة السومة الكرائية.
15- دوافع التعديل: و لعل الدافع الأساسي إلى تقرير هذه الاستثناءات الثلاثة، هو تخفيف الضغط عن المجلس الأعلى. ذلك أن أغلب الدعاوى القضائية لا تنتهي في أرض الواقع بنهاية المرحلة الاستئنافية، و إنما بصدور قرار عدم قبول طلب النقض أو رفضه. فالمتقاضون لا يكتفون بالمقرر النهائي في الموضوع، و إنما غالبا ما يعمدون إلى الطعن بالنقض في هذا المقرر. و إذا كان ذلك من حقهم، استنادا إلى أن من حق كل من تضررت مصالحه من مقرر قضائي أن يمارس طرق الطعن ضده، فيجب أن لا يغيب عن البال أن الطعن بالنقض طريق غير عادي من طرق الطعن، لا يمكن ممارسته إلا وفق شروط محددة، لا يمت للوقائع بصلة، و لا يستجاب له و لا أثر له على المقرر المطعون فيه إلا بناء على أسباب معينة تتصل في الغالب بسوء تطبيق القانون من طرف محكمة الموضوع. و عليه، فإذا كان المبدأ أن كل المقررات القضائية تقبل الطعن بالاستئناف أو بالتعرض، وفق شروط معينة طبعا، نظرا لأن لهذين الطعنين أثرا ناشرا للنزاع، فإن الأمر عكس ذلك بالنسبة لطرق الطعن غير العادية، خاصة فيما يتعلق بالنقض. ذلك أنه لا يستساغ التقدم بطلب النقض ضد مقرر قضائي لم يخرق القانون في أي شيء مطلقا. و لكن الممارسة العملية اليومية أفرزت للأسف حالات عديدة لطعون نقض كيدية، يندى الجبين أن تعرض المقالات التي تتضمنها على أعلى جهاز قضائي في المملكة. و لا أدل على ذلك من الكم الهائل من طلبات النقض المرفوضة، دون ذكر غير المقبول منها. و كلها طلبات ترهق بلا فائدة كاهل قضاة النقض. و لعل هذا هو السبب الكامن وراء محاولة تقليص دائرة المقررات القضائية القابلة للطعن بالنقض. و عليه فقد اختار المشرع ثلاثة أنواع من الطلبات القضائية و منع مقدميها من حق الطعن بالنقض في المقررات النهائية الصادرة فيها.

Publié dans droit (arabe)

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article